فلسفـــــــــــــــــة التاريــــــــــــــــــــــخ
صفحة 1 من اصل 1
مارايكم في جامعـــــــــــة الاغواط ؟
فلسفـــــــــــــــــة التاريــــــــــــــــــــــخ
المبحث الاول:تعريف فلسفة التاريخ واصلها
المطلب الأول:
ـ فلسفة التاريخ.
1ـ تعريف :
فلسفة التاريخ هي فكرة تاريخ لديه مسيرة أو مجرى . فكرة اكتسبت عدة معان في نفس الوقت (الوضوح،العقلانية، ولديها اتجاه). ومن وجهة نظر عامة : فكرة تتبع التاريخ، تبتع عن التفاصيل.
2ـ أصل فلسفة التاريخ.
يعتقد بعض الفلاسفة و المراجع الغربية أن الثورة الفرنسية استطاعت خلق اعتقاد عند الفلاسفة وأهمهم(كانت،هيغل،ماركس) بأن التاريخ كان له معنى، وأن الإنسان تقدم عبر مسيرة التاريخ. أما أصل فلسفة التاريخ فيعود إلى ظهور المسيحية. ويمكن هنا أن نعطي مثلين على هذا الأصل :
سان بول: يقول بأن وراء كل أفعال الإنسان، هناك شيء مخفي أو مخطط من الله، من العناية الإلهية، والتي تقود الأحداث وهذا المخطط هو كالتالي :أولا، تسلسل يقود التاريخ، إنه خلق الله ( فالله خلق الإنسان على صورته)، ثانيا، السقوط ( خطيئة آدم)، ثالثا، الخلاص ( و الذي بدأ مع موت المسيح وحتى يوم الحساب الأخير أو نهاية العالم). النتيجة : الإنسانية عبر التاريخ خاضعة اختبار أو بلاء يهدف على الشفاء والخلاص من الخطيئة الأصلية. ربما لا نستطيع الحديث هنا عن فلسفة للتاريخ بالمعنى العلمي أو الأكاديمي للكلمة، بل هي على لاهوت للتاريخ أكثر مما هو فلسفة.
سان أوغستان : ( 354ـ 430)، تحدث عن مدينة الله، و " بوسويت" ( 1627ـ 1704)، في كتاباته عن التاريخ العالمي. بالنسبة له لا يوجد أية صدفة في التاريخ، إذا البشر لم يتوصلوا لرؤية كيف التاريخ يتقدم نحو نهايته، هذا لأنهم مخلوقات جاهلة بالقدر الإلهي ووسائل ممارسته.
3ـ مع هيغل: الذي لم يكن سوى تفسيرا لاهوتيا للمستقبل الإنساني سيصبح فلسفة للتاريخ. هيغل ينتقد بشكل واضح في كتابته عن "العقل في التاريخ" ، مفهوم القدر السماوي. يقول أن العقل هو الذي يقود التاريخ، ولكنه يقول كما جاء من قبله ولكن بشكل علماني دنيوي. حيث خلف كل المظاهر الخارجية للأحداث هناك مخطط سماوي،خلف كل ما يفعله البشر، لاسيما خلف أعمالهم الأكثر عبثية و نزواتهم الكبيرة/ يختبئ عقل و روح، يقودان العالم نحو الحرية، العقلانية، والأخلاقية.
ولكن العقل لديه :
1ـ داخلي، ليس خارجي، على عكس التاريخ المقدس.
2ـ العقل الداخلي هذا ( داخل العالم) هو المستقبل التاريخي نفسه.
كل فلسفة للتاريخ تقبل أربع مسلمات وفق هيغل :
1ـ الحقيقة التاريخية هي موضوعية وتوجد بشكل مستقل عن البشر.
2ـ التاريخ له مفهوم ومعنى، له اتجاه معرّف وله وضوح.
3ـ الزمن مدرك كخط مستقيم يذهب إلى اللانهاية. في الواقع هذا المفهوم الخطي للزمن هو مفهوم مسيحي.
4ـ التاريخ له غاية، إنه يتبع هدفا، إذا، الزمن ثابت ويحملنا نحو النهاية, كل حدث ليس له معنى سوى حملنا إلى هذه النهاية.
المطلب الثاني:
القواعد الجديدة لفلسفة التاريخ :
يرى العديد من الفلاسفة أن المبادئ العامة لأي علم هي التي تشكل فلسفته. وعندما هذا العلم يتبدل،يتغير أو يتحول، فلسفته تتغير أيضا بشكل مواز. والتاريخ يتبع هذا القانون المشترك بين العلوم. معظم الأفكار التي خدمته و ساندته تلاشت أو انتهت شيئا فشيئا، واليوم التاريخ يبحث عن تبديل قواعده القديمة للتفسير.
ينظر أحيانا إلى التاريخ على أنه عرض بسيط للأحداث التي كان العالم مسرح لها، أو أن التاريخ هو بلبلة وفوضى مستبعدة الحدوث أو لم تقع تأتي من صدف لم نراها أو غير متوقعة. فالأحداث الأكثر أهمية تجري فيه من غير علاقة واضحة فيما بينها.أسباب صغيرة جدا تنتج تأثيرات أو منعكسات كبرى.
هذا الغياب لعلاقة واضحة مرئية بين بساطة الأسباب و ضخامة النتائج أو المضاعفات هو من الظواهر الأكثر مفاجأة في حياة الشعوب. فمثلا في شبه الجزيرة العربية، ظهور نبي تحدث عن الوحي بينه وبين السماء خلق دينا جديدا سيتحول إلى إمبراطورية بعد عدة سنوات.
هذا يقودنا للحديث عن الأحداث التي تكون التاريخ :
التاريخ ولد تحت تأثيرات مختلفة منها دائمة مثل : الأرض،المناخ،العرق. و تأثيرات أخرى عرضية أو طارئة مثل : الأديان، الحروب وغيرها.
هذا المفهوم للسبب هو من بين المفاهيم التي مارستها حكمة الفلاسفة. أرسطو مثلا أعطى أربعة معان مختلفة لكلمة "السبب". من وجهة نظر عملية، إنها تعني الظاهرة التي تنتج ظاهرة أخرى.
لكن النتيجة أو المنعكس سيصبح بعد فترة أيضا هو "سببي" بدوره ، والعالم يوجد مبنيا أو مشكلا من خلال تشابك وتقاطع للضرورات حيث كل منها يشكل في نفس الوقت سببا ونتيجة.
في التاريخ، الأحداث تتعاقب بشكل تجعلك تعود كثيرا إلى الوراء من أجل تحديد تأثيرا على ولادة هذا التاريخ. إحدى أكبر الصعوبات أمام المعرفة التاريخية تعود إلى المناخ أو الحالة التي يضعنا فيها الحاضر و إلى الوقت الذي نعيش فيه، هذه الحالة تتمثل بإعادة خلق ماض بعيد لا نراه ولم نعيشه. فمن أجل فهم الأحداث من الضروري العودة إلى سلسلة طويلة من الأسباب الداخلية والماضية.فمثلا الثورة الفرنسية كانت نتيجة لسلسلة طويلة من الأحداث الماضية. الإنذار الذي وجهته ألمانيا إلى النمسا كان ظاهرة أولية للحرب العالمية.
ولكن إذا ومن أجل كل حدث ندرسه علينا دراسة وتحليل تعاقب الأسباب البعيدة التي أدت إليه، فإن التاريخ يصبح مستحيلا. إذا علينا التفرغ لدراسة الأسباب المباشرة، ثم اختبار ملخص التأثيرات العامة التي ساهمت خلال زمن طويل في خلق هذه الأسباب. إن التاريخ لم يكن علما بل تركيب من مجموعة علوم، مفهومه متغير من زمن إلى آخر. ومع تقدم العلوم فلسفته الحالية تتطلب العديد من المفاهيم الجوهرية حول تطور العالم و طبيعة الإنسان.
إن التاريخ ولد من ردات فعل وتفاعلات الروح الإنسانية تحت عدة تأثيرا مختلفة، لكن الطبيعة الحقيقية لهذه الروح لم تعرف بشكل كبير رغم تقدم العلوم. علم النفس،وهو قاعدة أساسية لمعرفة التاريخ، لم ينجح إلا في إضاءة الدوائر المحيط بهذا التاريخ. فمن بين النتائج التي سمحت بنقل أو تغيير مفاهيمنا للتاريخ، لا بد من ذكر بشكل خاص تلك المتعلقة بالحياة العقلية المدروسة بواسطة علم النفس الحديث.
لقد كشف علم النفس أن اللاوعي، المتوارث أو المكتسب، يحدد في معظم الأحيان الدوافع وراء تحريك أو قيادة هذا التاريخ؛ و القوى الخفية و الفعالة المؤثرة والتي هي أكبر من القوى العقلية. بمعنى آخر أن علم النفس يساعدنا كثيرا في فهم حركة التاريخ و شخصياته المؤثرة ثم الأوساط التي ساهمت في هذه الحركة.
علم النفس أيضا يبين أن الأخطاء في الحكم والتقييم على الأحداث التاريخية تعود بشكل عام إلى ما يمكن أن نسميه " البدايات العقلانية" في قراءة التاريخ، أيضا الأخطاء في التقييم التي يظهرها علم النفس تعود إلى التأثيرات الخفية أو الأسطورية التي تصيب كل شعب، حيث التأثيرات التي لا يستطيع العقل التصرف تجاهها، و المعتقدات الدينية و المعتقدات السياسية ذات الطابع الديني التي لا تستند إلى أسس أو أسباب عقلية؛ أيضا عقلية المجموع تختلف عن العقل الفردي الذي يشكله أو يكونه. هنا يكون دور علم النفس في توضيح أسس وقواعد كثيرة ربما تكون خاطئة ويقوم عليها التاريخ.
إن تقدم ومنجزات العقل يجب ألا تجعلنا ننسى الدور الرئيس لأوهام الشعوب أو لدور الأوهام في حياة الشعوب. هذه الأوهام خلقت آمالا و أعطت الإنسان قوة في العمل والتحرك لا تستطيع أن تصل إليها أية قوة عقلية.
وفلسفة التاريخ لم تكن سوى الفصل الأخير من فلسفة عامة للكون والعالم. من هنا علينا ألا نعزل الإنسان عن تاريخه الضخم الذي ساهم في ازدهاره، بل يجب ربط مجموع الكائنات التي سبقته أو سبقتنا على الأرض من عالم طبيعي، حيواني و حتى نباتي لأنها تشكل تعاقبا ضخما لهذه الكائنات والتي منها الإنسان.
هذه الطروحات التي نتحدث عنها هنا هي ضرورية من أجل توضيح التغيرات العميقة على طريق بناء الفكر الإنساني و الذي عرف بدوره وأثناء هذا التطور مفاهيم قديمة يراها الإنسان أنها أبدية لا تتغير وهي قواعده في تفسير التاريخ.
ربما لن يتوفر الوقت لتقديم العناصر الكاملة لفلسفة للتاريخ، مع ذلك سنقسم دراسة فلسفة التاريخ إلى أربعة أقسام :
1ـ أبحاث علمية تقود إلى تغيير كامل للأفكار القديمة حول ظواهر الحياة، أصول الإنسان و تطور العناصر التي كونها.
2ـ مفاهيم متتالية للمؤرخين حول مختلف الحوادث التاريخية.
3ـ الطرق الدائم لإعاد بناء الأحداث من الماضي وأسبابها.
4ـ أبحاث حول التأثير الممارس من قبل عوامل تاريخية دينية وسياسية أو اقتصادية على تغيرات الشخصية.
إذا من أجل فهم فلسفة للتاريخ لا بد من قراءة الظروف التي سمح العلم بتشكيلها حول القوى المبدعة أو المنتجة لهذا الكون، أصول البشر وعدم استقرارها،الطبيعة الإنسانية،ظواهر الحياة، الخ. حيث سنرى المذاهب القديمة التي عاشها الإنسان، وكيف تغيرت بالتدريج إلى مبادئ جديدة في كليتها.
أولاـ القوى المبدعة للتاريخ، طبيعة الإنسان والحدود الحالية لمعارفنا.
الأفكار الأساسية التي عاشها العالم حول الكون والإنسان تبدلت كثيرا بل أصابتها تحولات كاملة. فالمعارف العلمية الجديدة كان لها التأثير الهام على مفهومنا للتاريخ :
ـ المفهوم الأول الذي تم إنهاءه من قبل العلم كان يتعلق بخلق العالم وخلق الإنسان. فمختلف الأديان كان ترى أن العالم خلق من العدم بواسطة إرادة الخالق أو الله. بالنسبة للعلم الحديث، الإنسان ليس إلا حد نهائي لسلسلة طويلة من الكائنات التي سبقته. فإذا تجاوزها الإنسان بشكل كبير ضمن المفهوم الفكر و العقلي،إلا أنه يتشابه معها في دائرة الحياة العضوية. هذا المفهوم الحديث لا يتطابق ولا بأي شكل من الأشكال مع الفكرة القديمة القائمة على الحتمية. حيث يرى هذا المفهوم أن كل ظاهرة هي بشكل دقيق محددة بالعديد من الأسباب التي تؤدي إليها.
أولاـ الأشكال المختلفة لتفسير التاريخ
1ـ المفهوم الروائي للتاريخ
المؤرخون القدماء، كما هيرودوت مثلا، لم ينشغلوا كثيرا بدقة الأحداث. دورهم اقتصر على إعادة إنتاج الأساطير أو الأحداث التي سمعوها. إعادة الإنتاج هذه تركبت من الذكريات التي بقيت في ذاكرة الناس. وحتى وقت حديث حتى أصبح التاريخ يعتمد على شهود معاصرين للأحداث. ونذكر هنا أن المؤلفات الأولى المتعلقة بتاريخ روما و أثينا، لا تظهر الكثير من الدقة مثلا.
أفضل الكتاب الرومان، يعتبرون دائما أن التاريخ هو فن و الكاتب أو المؤلف يتفنن بزخرفته. إنه ،وفق الرومان دائما، " عمل يقوم فيه خطيب"؛ إذا هؤلاء المؤرخين يتناولون التاريخ "كخطب" ترتب الأحداث والأفعال بشكل يبرر طروحاتهم أو تزود سردهم بالأمثلة الجيدة. كما أنهم كانوا يختارون شخصيات محاربة أو أبطال وأباطرة، ويجعلونهم يتكلمون، مختارين الخطب الرنانة والكلمات الجميلة والقوية، عبر حوار مصطنع بين هذه الشخصيات. (مثل : أوثان ، فيسباسيان). لقد كان في هذه الخطب والحوارات المصطنعة ( قصة طارق بن زياد) الكثير من التخيل، ثم تأتي الأجيال تنتهي باعتبار هذه المخيلة وكأنها حقيقة عصماء وتبدأ بإعادتها واجترارها.
المفهوم الروائي للتاريخ لم يمت مع المؤرخين القدماء. لقد عاش رغم الانتقادات الكثيرة وحتى القرن العشرين بقي فعالا. هناك أمثلة على ذلك، مثل كتاب "حياة المسيح" لرينان والذي هو عبارة عن حكاية أو رواية. ويمكن القول هنا أن نجاح مثل هذه الكتب يعود بشكل خاص للجانب الروائي فيها. فالقارئ العادي يبحث في التاريخ عن الأحداث الغريبة والعجيبة التي يتم سردها بشكل غنائي.
2ـ المفهوم اللاهوتي للتاريخ
اليونانيون، في كابتهم و سردهم للتاريخ أدخلوا الإلهيات كثيرا في الأفعال الإنسانية. ففي كل صفحة وصف "لهوميروس" نرى الله يظهر وكـأنك تقرأ كتابا دينيا يهوديا قديما. الرومانيون أيضا خلطوا بين الأفعال الإنسانية والأفعال الإلهية. ( عملية الخلط هنا لا تختلف كثيرا عن اليوم، عندما يتدخل الكهنوت الديني في تفاصل حياتنا اليومية، كيف نأكل ونشرب وننام...فهذا امتداد وبشكل آخر لهذا الخلط في الوظائف).
مع انتصار المسيحية ولد مفهوم لاهوتي صرف وخالص للتاريخ. وبدأ يتراكم قرنا بعد قرن. وفي قراءة سريعة للتاريخ من القرن الخامس وحتى القرن الثامن عشر، نجد أن علم اللاهوت يسيطر و يدير الروح الإنسانية، كل الآراء مأخوذة من اللاهوتيات، و المسائل الفلسفية ،السياسية،التاريخية اعتبرت دائما أو نظر إليها من وجهة نظر لاهوتية. فالروح اللاهوتية هي في بعض المعاني الدم الذي سال شرايين العالم الأوربي حتى عصر "ديكارت" و" بيكون".
والمؤلفات التاريخية المكتوبة خلال هذه الفترة الطويلة تبين إلى أية درجة التأثيرات الدينية استطاعت السيطرة على الفكر الإنساني. ففي فرنسا مثلا، الملك لويس السادس كان يعتقد كثيرا بحماية القديسين، ومقتنعا كما يقول المؤرخون الفرنسيون، أنهم يتدخلون من غير توقف في الأفعال الإنسانية، وهم فقط يستطيعون تأمين الانتصارات في الحروب والانتصارات الدبلوماسية.
وحتى وقت نسبيا حديث، كان الكثير من الفلاسفة يعتقدون أو يتقاسمون هذا الاعتقاد البسيط و الساذج أحيانا. فالمفاهيم اللاهوتية للتاريخ لم تبدأ بالاختفاء إلا في اليوم الذي بدأت في العلوم تتقدم وتؤكد أن جميع الظواهر في الكون خاضعة لقوانين صارمة لا تعرف الأهواء والتقلبات. ولكن مع عملية الابتعاد عن المفاهيم الروائية و اللاهوتية للتاريخ كان من الواجب اكتشاف مفاهيم أخرى من أجل شرح مجرى الأحداث التاريخية. انطلاقا من هذا الواجب الإجباري ولد ما نستطيع أن نسميه المفهوم الفلسفي للتاريخ.
3ـ المفهوم الفلسفي للتاريخ
هذا المفهوم يقول لنا أن الأحداث التاريخية هي تخضع لظروف أو مشروطة بضرورات بعيدة عن الصدفة أو لإرادة عليا إلهية سماوية. و العلم يجهد لتحديد هذه الضرورات، لكن تعقيداتها لا تسمح بأن نأمل أو ننتظر بأن تكون هذه الضرورات دائما يمكن تحديدها.
كل حدث تاريخي هو بالتأكيد عقلاني، ضمن هذا المعنى إنه يمتلك سببا، ولكن هذا لا يعني أن يتطابق أو يتناسب مع مخطط ما. تأثير العوامل أو الدوافع الكبرى، كما كان مثلا في العصر القيصري الذي كان ضروريا للحظات معينة من التاريخ الروماني، خطوة مختلف البلدان في أوربا نحو الوحدة، كل هذا يبين بوضوح وجود العديد من الأسباب العامة. مع ذلك التاريخ هو مليء بالأحداث التي كان من الممكن أن تكون مختلفة جدا عن الطريقة التي حدثت بها، لأنه لا يوجد قانون ثابت أدى لوقوعها أو لضرورة حدوثها بهذه الطريقة أو تلك. فمثلا تاريخ وتطور إنكلترا كان من الممكن أن يتغير لو أن النورمانديين انتصروا في معركة" هاستنكس"، حيث في اللحظات الأخير الدوق "غيوم" تخيل إستراتيجية أدت لنجاحه وحمايته من كارثة ستقود النورمانديين إلى فكرة معاودة الحرب أو الغزو لإنكلترا. لو أن هانيبال الباحث عع الاستيلاء على روما لتحويلها إلى مستعمرة قرطاجية نجح في محاولته، لكان كل مجرى التاريخ القديم قد تغير. (إذا هناك أسباب عامة تؤدي لنتائج محددة).
ثانيا ـ مصادر الخطأ في التاريخ
المؤرخون يعترفون بشكل عام اليوم بضعف قيمة الطرق القديمة في دارسة التاريخ وفلسفته. في كتاب وهو ملخص للعديد من الدروس نشر في جامعة السوربون في باريس، كتب Seingnobos"سينبوس": وبسبب أننا لم نر،فإن الملاحظات التي استخدمت في القديم لسرد التاريخ لا تعكس سوى آراء أصحابها أو كتابها".
لذلك الروح النقدية كان عليها أن تتطور عبر التاريخ قبل أن يكون من غير الممكن إصلاح الأخطاء السابقة ولاسيما تحديد ما هو عام في الحالات الخاصة. ولكن مهما كانت حكمة وبصيرة المؤرخ فمن الصعب بالنسبة له الانسحاب من تحت التأثيرات الناتجة عن قناعاته الدينية و السياسية ولاسيما عن المشاعر التي تربطه بالمكان الذي يعيش فيه. وفي معظم الأحيان سيختار ما يبرر أو يظهر أنه يبرر أفكاره،أهواءه ،معتقداته ، ثم يبعد الأفكار الأخرى.
وحتى لو كانت الأفكار المدونة في الملفات إذا كانت دقيقة وصارمة، فإنها لا تشكل مواد لبناء يمكن تشييده في الحال أو فورا. المعلومات المتعددة حول الأحداث التاريخية الحديثة نسبيا تكون متناقضة في معظم الأحيان، فما بالنا بالأحداث القديمة، حيث يمكن إيجاد مبررات دائمة لأفكارنا التي نطرحها وندافع عنها. في التاريخ ، ليس هناك أسهل من أن تساند رأيا أو أطروحة مخالفا، وهذا أمر تقريبا مستحيل في العلوم لأن أي زعم ليس له قيمة في العلوم إلا إذا كان مبررا بالملاحظة و التجربة.
و الباحثون الشباب اليوم بعد أن يمضوا نهارا طويلا في المكتبات و الأرشيف للبحث عن ملفات قديمة لا يريدون أن يكونوا نسخة عن هذه الملفات، بمعنى لا يريدون إعادة واجترار ما حصل في الماضي كما هو، هنا تتدخل الروح النقدية لتعطي جيلا آخر يقرأ التاريخ بعينين وعقل مختلف تماما عن القدماء. فعقل نقدي يسمح لنا بطرح آراء جديدة ويسمح بتعميق الأبحاث و إعادة تفكيك الشخصيات الماضية، ومحاولة فهم أمجادها إن كانت في الحقيقة صحيحة كما وصلت إلينا.
اليوم نرى بشكل واضح أن قراءة التاريخ وإعادة تعريف فلسفته أصبحت عملا للعلماء والمتخصصين، حيث كانت في الماضي من مهمات العاملين على الأدب في معظم الحالات. فالعلم اليوم وحده الكفيل بإبطال مفعول الأفكار السابقة والخاطئة عن التاريخ. والعلم هو من أعاد تركيب وبناء التطور الفيزيائي و الفكري عند الإنسان، مثلا علم " باليونتولوجي" Paléontologie (وهو علم يبحث بالمستحثات القديمة) و الأنثروبولوجيا استطاعت تبديل التوصيف الأدبي للملفات التاريخية بشكل علمي جديد بحيث لم يعد هذا التاريخ مجموعة من الخطابات الحماسية.
ثالثاـ الروح النقدية في التاريخ
رأينا في الفقرة السابقة أن تفسير الأحداث التاريخية الماضية فيه الكثير من الأخطاء. وحتى نحكم علي التاريخ وأخطائه لا بد في البداية من أبعاد وبشكل كلي التأثيرات القومية والوطنية،الدينية والسياسية والتي تسيطر وتحدد قسما كبير من حكما على التاريخ. فسبب هذه التأثيرات نرى المؤلفات و الكتابات في مختلف البلدان وحول نفس الحدث تحتوي على توصيفات وسرد للحدث بشكل مختلف كليا وغير متشابه.
إن معظم الأحداث التاريخية وقعت بسبب تعاقب لمجموعة من الأسباب غير المرئية. لذلك الطرق القديمة في قراءتها لم تعد تنفع في شيء. فالتاريخ لا يتكلم بل نحن الذين يكتبونه و يدوننه. ومن أكبر الأخطاء ومصادرها في عملية تفسير التاريخ أو الأحداث الماضية، يأتي من أن الكتاب و المؤرخين يبحثون لشرح الأحداث الماضية بأفكار الحاضر، بدلا من قراءتها وفق المشاعر والأهواء التي رافقتها أثناء حدوثها.
المهمة هنا في غاية الصعوبة، فعلينا مثلا فهم روح معتقد أو مؤمن تسيطر عليه قناعاته الدينية، فهم ثائر هائم محلق بأحلامه لثورية..الخ. ومن أجل متابعة طبيعة هؤلاء و الأحداث التي ترافقهم يجب الوصول إلى إعادة تنشيط و إحياء ما يمكن أن نسميه "روح العصر". هذه الروح نفهما ونفككها بأداة عميقة وأساسية هي العقلية النقدية، تلك العقلية التي غيرت الكثير بل معظم المفاهيم عن التاريخ.
رابعاـ وسائل إعادة البناء العلمي للتاريخ
1ـ تحديد الأحداث بواسطة الشهادة.
الشهادة هي مهمة و أساسية ولولا أهميتها لما أعطي لها هذا الدور الكبير في التاريخ والقضاء.حتى وقت متأخر نسبيا (بداية القرن العشرين)، بمعنى حتى الوقت الذي بدأت فيه الأبحاث السيكولوجية المتخصصة تلعب دورها في قراءة التاريخ، قيمة الشهادة لم يعترض عليها نهائيا خاصة إذا افترضناها أنها تأتي من نية صادقة. هذه الشهادة كانت كقاعدة مبنية على تصديق الكلام من الشاهد وفق روايته للأشياء التي رآها.
إذا الراوي أو الشاهد ليس لديه أسباب شخصية يدافع عنها، وليس خاضعا لتأثيرات دينية أو سياسية، فلماذا لا نصدقه ؟ لأي سبب شخص موثوق يروي حدثا كان شاهدا عليه بشكل غير أمين؟
الأبحاث الحديثة لعلم النفس التجريبي قوضت نهائيا هذه الثقة و أنهتها من عملية الشهادة. وبينت الأبحاث هذه أن وفي الأحداث البسيطة، والتي ليس فيها أية أهواء، لا يوجد أية مصلحة تتدخل، ولكن من المستحيل الحصول على معلومات مؤكدة بالتمام والكمال. الطبيب البروفسور "بيرنهايم" لاحظ أنه من الصعب جدا الحصول على وصف أمين لحدث تمت ملاحظته. أيضا الشهادة من قبل مجموعة رأت حدثا معينا ليس بأفضل من ذلك عند علماء النفس.
التجارب الأكثر أهمية حول هذا الموضوع تلك التي قام بها البروفسور "كليباريد" من جامعة جنيف. حيث الأشخاص الذين يخضعون للتجربة ليسوا عاديين بل مجموعة مختارة من الطلاب الأذكياء. الشهادات التي تم الحصول عليها كانت مؤلمة. من بين الأسئلة المطروحة على الطلاب، واحدة منها على الأقل كانت مذهلة :
هل يوجد نافذة داخلية تؤدي إلى مدخل أو من جهة مدخل الجامعة، على اليسار و نحن داخلون حيث نصبح في مواجهة غرفة موظف الاستقبال؟
حول فلسفة التاريخ:
تناول الملتقى الثقافي الأسبوعي موضوعا جافا نوعا ما حول تفرعات فلسفة التاريخ،وهو علم حديث بدايته كانت في القرن الثامن عشر،ويتناول البحث في قوانين وأسس الحوادث التاريخية والربط بينها وفق مناهج وأسس علمية رصينة،تخرج التاريخ من صفة العلم السردي إلى علم كامل تنطبق عليه نظريات وقوانين العلوم التجريبية الأخرى،وان كانت نظرة بعض المؤرخين أنها لا تنطبق عليها تلك القوانين باعتبار التاريخ علما يختلفا جذريا عن العلوم الطبيعية والتي يمكن التأكد من نتائج البحوث فيها بينما في التاريخ تختلف كليا عن ذلك وقد تخضع الكثير من الحوادث إلى الصدفة المحضة والتي لا ترتبط بقانون ما،عموما هو رأي يمكن قبوله أو رفضه وبدرجات نسبية….
وكبقية العلوم الأخرى تطور علم فلسفة التاريخ حتى تفرع وبالتالي اخذ صفة التعقيد في نظري،رغم أنها من نتائج وضرورات البحث العلمي المجرد،ولكن تبقى للقارئ العادي هي مسائل تعقيد لدراسة الحوادث التاريخية،عموما التقسيم يكون الى فرعين:
1-الفلسفة النقدية للتاريخ:
وهي الطرق والأساليب المستخدمة في دراسة المنهج التاريخي وفق نظريات محددة سلفا،وهي تعني استخدام كافة الوسائل العلمية لدراسة الوقائع التاريخية وبصورة منهجية تختلف عن طرق السرد المجردة وهي التي اعتاد عليها مؤرخي العصور القديمة والوسطى ومن ضمنها العصور الاسلامية المختلفة…
2-الفلسفة التأملية للتاريخ:
هي دراسة الاحداث التاريخية والاسباب المؤدية الى حدوثها ومحاولة استنباط القواعد والقوانين بغية استخدامها لغرض استكشاف المستقبل وتفسير الوقائع التي سوف تحدث وفق تلك القوانين….
في رأيي الشخصي ان التاريخ هو علم حقيقي متكامل ولكن يخضع لاهواء المؤرخين التي نادرا ما تكون موضوعية،والتاريخ هو اكثر العلوم خضوعا للتزوير والتدليس والتشويه،والنماذج التاريخية كثيرة بحيث يعجز الفرد عن احصائها ناهيك عن تنقيحها بغية طرحها في اسلوب موضوعي متكامل لايخضع للاهواء،ثم بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية في طرحها لاصحاب الفكر ثم عامة الناس،وبالتأكيد تبدأ مراحل الخلاف والتي تصل احيانا الى التكفير والتخوين والتفسيق،او يشاد له بالبنان الذي قد يتأخر احيانا!.
وتأثير النظم السياسية كبيرا عليه بحيث يعجز المؤرخ المحايد من العمل بمفرده،وحتى لو عمل فأن اخراج عمله عن طريق الطرح الاعلامي له بمختلف الوسائل المتاحة صعبا ما عدا المرحلة الراهنة والتي سهلت التكنولوجيا الحديثة اساليب كسر قواعد الحجر والمراقبة الفكرية…
لكن المهمة الاصعب هو كيفية كسر بمعاول العلم الذي يلتزم الموضوعية منهجا ثابتا، في ما توارثت عليه الاجيال من خرافات واساطير لوقائع تاريخية احيانا
ادعولي بالنجاح بلال حجاج دائما في الخدمــــــــــــــــة
المطلب الأول:
ـ فلسفة التاريخ.
1ـ تعريف :
فلسفة التاريخ هي فكرة تاريخ لديه مسيرة أو مجرى . فكرة اكتسبت عدة معان في نفس الوقت (الوضوح،العقلانية، ولديها اتجاه). ومن وجهة نظر عامة : فكرة تتبع التاريخ، تبتع عن التفاصيل.
2ـ أصل فلسفة التاريخ.
يعتقد بعض الفلاسفة و المراجع الغربية أن الثورة الفرنسية استطاعت خلق اعتقاد عند الفلاسفة وأهمهم(كانت،هيغل،ماركس) بأن التاريخ كان له معنى، وأن الإنسان تقدم عبر مسيرة التاريخ. أما أصل فلسفة التاريخ فيعود إلى ظهور المسيحية. ويمكن هنا أن نعطي مثلين على هذا الأصل :
سان بول: يقول بأن وراء كل أفعال الإنسان، هناك شيء مخفي أو مخطط من الله، من العناية الإلهية، والتي تقود الأحداث وهذا المخطط هو كالتالي :أولا، تسلسل يقود التاريخ، إنه خلق الله ( فالله خلق الإنسان على صورته)، ثانيا، السقوط ( خطيئة آدم)، ثالثا، الخلاص ( و الذي بدأ مع موت المسيح وحتى يوم الحساب الأخير أو نهاية العالم). النتيجة : الإنسانية عبر التاريخ خاضعة اختبار أو بلاء يهدف على الشفاء والخلاص من الخطيئة الأصلية. ربما لا نستطيع الحديث هنا عن فلسفة للتاريخ بالمعنى العلمي أو الأكاديمي للكلمة، بل هي على لاهوت للتاريخ أكثر مما هو فلسفة.
سان أوغستان : ( 354ـ 430)، تحدث عن مدينة الله، و " بوسويت" ( 1627ـ 1704)، في كتاباته عن التاريخ العالمي. بالنسبة له لا يوجد أية صدفة في التاريخ، إذا البشر لم يتوصلوا لرؤية كيف التاريخ يتقدم نحو نهايته، هذا لأنهم مخلوقات جاهلة بالقدر الإلهي ووسائل ممارسته.
3ـ مع هيغل: الذي لم يكن سوى تفسيرا لاهوتيا للمستقبل الإنساني سيصبح فلسفة للتاريخ. هيغل ينتقد بشكل واضح في كتابته عن "العقل في التاريخ" ، مفهوم القدر السماوي. يقول أن العقل هو الذي يقود التاريخ، ولكنه يقول كما جاء من قبله ولكن بشكل علماني دنيوي. حيث خلف كل المظاهر الخارجية للأحداث هناك مخطط سماوي،خلف كل ما يفعله البشر، لاسيما خلف أعمالهم الأكثر عبثية و نزواتهم الكبيرة/ يختبئ عقل و روح، يقودان العالم نحو الحرية، العقلانية، والأخلاقية.
ولكن العقل لديه :
1ـ داخلي، ليس خارجي، على عكس التاريخ المقدس.
2ـ العقل الداخلي هذا ( داخل العالم) هو المستقبل التاريخي نفسه.
كل فلسفة للتاريخ تقبل أربع مسلمات وفق هيغل :
1ـ الحقيقة التاريخية هي موضوعية وتوجد بشكل مستقل عن البشر.
2ـ التاريخ له مفهوم ومعنى، له اتجاه معرّف وله وضوح.
3ـ الزمن مدرك كخط مستقيم يذهب إلى اللانهاية. في الواقع هذا المفهوم الخطي للزمن هو مفهوم مسيحي.
4ـ التاريخ له غاية، إنه يتبع هدفا، إذا، الزمن ثابت ويحملنا نحو النهاية, كل حدث ليس له معنى سوى حملنا إلى هذه النهاية.
المطلب الثاني:
القواعد الجديدة لفلسفة التاريخ :
يرى العديد من الفلاسفة أن المبادئ العامة لأي علم هي التي تشكل فلسفته. وعندما هذا العلم يتبدل،يتغير أو يتحول، فلسفته تتغير أيضا بشكل مواز. والتاريخ يتبع هذا القانون المشترك بين العلوم. معظم الأفكار التي خدمته و ساندته تلاشت أو انتهت شيئا فشيئا، واليوم التاريخ يبحث عن تبديل قواعده القديمة للتفسير.
ينظر أحيانا إلى التاريخ على أنه عرض بسيط للأحداث التي كان العالم مسرح لها، أو أن التاريخ هو بلبلة وفوضى مستبعدة الحدوث أو لم تقع تأتي من صدف لم نراها أو غير متوقعة. فالأحداث الأكثر أهمية تجري فيه من غير علاقة واضحة فيما بينها.أسباب صغيرة جدا تنتج تأثيرات أو منعكسات كبرى.
هذا الغياب لعلاقة واضحة مرئية بين بساطة الأسباب و ضخامة النتائج أو المضاعفات هو من الظواهر الأكثر مفاجأة في حياة الشعوب. فمثلا في شبه الجزيرة العربية، ظهور نبي تحدث عن الوحي بينه وبين السماء خلق دينا جديدا سيتحول إلى إمبراطورية بعد عدة سنوات.
هذا يقودنا للحديث عن الأحداث التي تكون التاريخ :
التاريخ ولد تحت تأثيرات مختلفة منها دائمة مثل : الأرض،المناخ،العرق. و تأثيرات أخرى عرضية أو طارئة مثل : الأديان، الحروب وغيرها.
هذا المفهوم للسبب هو من بين المفاهيم التي مارستها حكمة الفلاسفة. أرسطو مثلا أعطى أربعة معان مختلفة لكلمة "السبب". من وجهة نظر عملية، إنها تعني الظاهرة التي تنتج ظاهرة أخرى.
لكن النتيجة أو المنعكس سيصبح بعد فترة أيضا هو "سببي" بدوره ، والعالم يوجد مبنيا أو مشكلا من خلال تشابك وتقاطع للضرورات حيث كل منها يشكل في نفس الوقت سببا ونتيجة.
في التاريخ، الأحداث تتعاقب بشكل تجعلك تعود كثيرا إلى الوراء من أجل تحديد تأثيرا على ولادة هذا التاريخ. إحدى أكبر الصعوبات أمام المعرفة التاريخية تعود إلى المناخ أو الحالة التي يضعنا فيها الحاضر و إلى الوقت الذي نعيش فيه، هذه الحالة تتمثل بإعادة خلق ماض بعيد لا نراه ولم نعيشه. فمن أجل فهم الأحداث من الضروري العودة إلى سلسلة طويلة من الأسباب الداخلية والماضية.فمثلا الثورة الفرنسية كانت نتيجة لسلسلة طويلة من الأحداث الماضية. الإنذار الذي وجهته ألمانيا إلى النمسا كان ظاهرة أولية للحرب العالمية.
ولكن إذا ومن أجل كل حدث ندرسه علينا دراسة وتحليل تعاقب الأسباب البعيدة التي أدت إليه، فإن التاريخ يصبح مستحيلا. إذا علينا التفرغ لدراسة الأسباب المباشرة، ثم اختبار ملخص التأثيرات العامة التي ساهمت خلال زمن طويل في خلق هذه الأسباب. إن التاريخ لم يكن علما بل تركيب من مجموعة علوم، مفهومه متغير من زمن إلى آخر. ومع تقدم العلوم فلسفته الحالية تتطلب العديد من المفاهيم الجوهرية حول تطور العالم و طبيعة الإنسان.
إن التاريخ ولد من ردات فعل وتفاعلات الروح الإنسانية تحت عدة تأثيرا مختلفة، لكن الطبيعة الحقيقية لهذه الروح لم تعرف بشكل كبير رغم تقدم العلوم. علم النفس،وهو قاعدة أساسية لمعرفة التاريخ، لم ينجح إلا في إضاءة الدوائر المحيط بهذا التاريخ. فمن بين النتائج التي سمحت بنقل أو تغيير مفاهيمنا للتاريخ، لا بد من ذكر بشكل خاص تلك المتعلقة بالحياة العقلية المدروسة بواسطة علم النفس الحديث.
لقد كشف علم النفس أن اللاوعي، المتوارث أو المكتسب، يحدد في معظم الأحيان الدوافع وراء تحريك أو قيادة هذا التاريخ؛ و القوى الخفية و الفعالة المؤثرة والتي هي أكبر من القوى العقلية. بمعنى آخر أن علم النفس يساعدنا كثيرا في فهم حركة التاريخ و شخصياته المؤثرة ثم الأوساط التي ساهمت في هذه الحركة.
علم النفس أيضا يبين أن الأخطاء في الحكم والتقييم على الأحداث التاريخية تعود بشكل عام إلى ما يمكن أن نسميه " البدايات العقلانية" في قراءة التاريخ، أيضا الأخطاء في التقييم التي يظهرها علم النفس تعود إلى التأثيرات الخفية أو الأسطورية التي تصيب كل شعب، حيث التأثيرات التي لا يستطيع العقل التصرف تجاهها، و المعتقدات الدينية و المعتقدات السياسية ذات الطابع الديني التي لا تستند إلى أسس أو أسباب عقلية؛ أيضا عقلية المجموع تختلف عن العقل الفردي الذي يشكله أو يكونه. هنا يكون دور علم النفس في توضيح أسس وقواعد كثيرة ربما تكون خاطئة ويقوم عليها التاريخ.
إن تقدم ومنجزات العقل يجب ألا تجعلنا ننسى الدور الرئيس لأوهام الشعوب أو لدور الأوهام في حياة الشعوب. هذه الأوهام خلقت آمالا و أعطت الإنسان قوة في العمل والتحرك لا تستطيع أن تصل إليها أية قوة عقلية.
وفلسفة التاريخ لم تكن سوى الفصل الأخير من فلسفة عامة للكون والعالم. من هنا علينا ألا نعزل الإنسان عن تاريخه الضخم الذي ساهم في ازدهاره، بل يجب ربط مجموع الكائنات التي سبقته أو سبقتنا على الأرض من عالم طبيعي، حيواني و حتى نباتي لأنها تشكل تعاقبا ضخما لهذه الكائنات والتي منها الإنسان.
هذه الطروحات التي نتحدث عنها هنا هي ضرورية من أجل توضيح التغيرات العميقة على طريق بناء الفكر الإنساني و الذي عرف بدوره وأثناء هذا التطور مفاهيم قديمة يراها الإنسان أنها أبدية لا تتغير وهي قواعده في تفسير التاريخ.
ربما لن يتوفر الوقت لتقديم العناصر الكاملة لفلسفة للتاريخ، مع ذلك سنقسم دراسة فلسفة التاريخ إلى أربعة أقسام :
1ـ أبحاث علمية تقود إلى تغيير كامل للأفكار القديمة حول ظواهر الحياة، أصول الإنسان و تطور العناصر التي كونها.
2ـ مفاهيم متتالية للمؤرخين حول مختلف الحوادث التاريخية.
3ـ الطرق الدائم لإعاد بناء الأحداث من الماضي وأسبابها.
4ـ أبحاث حول التأثير الممارس من قبل عوامل تاريخية دينية وسياسية أو اقتصادية على تغيرات الشخصية.
إذا من أجل فهم فلسفة للتاريخ لا بد من قراءة الظروف التي سمح العلم بتشكيلها حول القوى المبدعة أو المنتجة لهذا الكون، أصول البشر وعدم استقرارها،الطبيعة الإنسانية،ظواهر الحياة، الخ. حيث سنرى المذاهب القديمة التي عاشها الإنسان، وكيف تغيرت بالتدريج إلى مبادئ جديدة في كليتها.
أولاـ القوى المبدعة للتاريخ، طبيعة الإنسان والحدود الحالية لمعارفنا.
الأفكار الأساسية التي عاشها العالم حول الكون والإنسان تبدلت كثيرا بل أصابتها تحولات كاملة. فالمعارف العلمية الجديدة كان لها التأثير الهام على مفهومنا للتاريخ :
ـ المفهوم الأول الذي تم إنهاءه من قبل العلم كان يتعلق بخلق العالم وخلق الإنسان. فمختلف الأديان كان ترى أن العالم خلق من العدم بواسطة إرادة الخالق أو الله. بالنسبة للعلم الحديث، الإنسان ليس إلا حد نهائي لسلسلة طويلة من الكائنات التي سبقته. فإذا تجاوزها الإنسان بشكل كبير ضمن المفهوم الفكر و العقلي،إلا أنه يتشابه معها في دائرة الحياة العضوية. هذا المفهوم الحديث لا يتطابق ولا بأي شكل من الأشكال مع الفكرة القديمة القائمة على الحتمية. حيث يرى هذا المفهوم أن كل ظاهرة هي بشكل دقيق محددة بالعديد من الأسباب التي تؤدي إليها.
أولاـ الأشكال المختلفة لتفسير التاريخ
1ـ المفهوم الروائي للتاريخ
المؤرخون القدماء، كما هيرودوت مثلا، لم ينشغلوا كثيرا بدقة الأحداث. دورهم اقتصر على إعادة إنتاج الأساطير أو الأحداث التي سمعوها. إعادة الإنتاج هذه تركبت من الذكريات التي بقيت في ذاكرة الناس. وحتى وقت حديث حتى أصبح التاريخ يعتمد على شهود معاصرين للأحداث. ونذكر هنا أن المؤلفات الأولى المتعلقة بتاريخ روما و أثينا، لا تظهر الكثير من الدقة مثلا.
أفضل الكتاب الرومان، يعتبرون دائما أن التاريخ هو فن و الكاتب أو المؤلف يتفنن بزخرفته. إنه ،وفق الرومان دائما، " عمل يقوم فيه خطيب"؛ إذا هؤلاء المؤرخين يتناولون التاريخ "كخطب" ترتب الأحداث والأفعال بشكل يبرر طروحاتهم أو تزود سردهم بالأمثلة الجيدة. كما أنهم كانوا يختارون شخصيات محاربة أو أبطال وأباطرة، ويجعلونهم يتكلمون، مختارين الخطب الرنانة والكلمات الجميلة والقوية، عبر حوار مصطنع بين هذه الشخصيات. (مثل : أوثان ، فيسباسيان). لقد كان في هذه الخطب والحوارات المصطنعة ( قصة طارق بن زياد) الكثير من التخيل، ثم تأتي الأجيال تنتهي باعتبار هذه المخيلة وكأنها حقيقة عصماء وتبدأ بإعادتها واجترارها.
المفهوم الروائي للتاريخ لم يمت مع المؤرخين القدماء. لقد عاش رغم الانتقادات الكثيرة وحتى القرن العشرين بقي فعالا. هناك أمثلة على ذلك، مثل كتاب "حياة المسيح" لرينان والذي هو عبارة عن حكاية أو رواية. ويمكن القول هنا أن نجاح مثل هذه الكتب يعود بشكل خاص للجانب الروائي فيها. فالقارئ العادي يبحث في التاريخ عن الأحداث الغريبة والعجيبة التي يتم سردها بشكل غنائي.
2ـ المفهوم اللاهوتي للتاريخ
اليونانيون، في كابتهم و سردهم للتاريخ أدخلوا الإلهيات كثيرا في الأفعال الإنسانية. ففي كل صفحة وصف "لهوميروس" نرى الله يظهر وكـأنك تقرأ كتابا دينيا يهوديا قديما. الرومانيون أيضا خلطوا بين الأفعال الإنسانية والأفعال الإلهية. ( عملية الخلط هنا لا تختلف كثيرا عن اليوم، عندما يتدخل الكهنوت الديني في تفاصل حياتنا اليومية، كيف نأكل ونشرب وننام...فهذا امتداد وبشكل آخر لهذا الخلط في الوظائف).
مع انتصار المسيحية ولد مفهوم لاهوتي صرف وخالص للتاريخ. وبدأ يتراكم قرنا بعد قرن. وفي قراءة سريعة للتاريخ من القرن الخامس وحتى القرن الثامن عشر، نجد أن علم اللاهوت يسيطر و يدير الروح الإنسانية، كل الآراء مأخوذة من اللاهوتيات، و المسائل الفلسفية ،السياسية،التاريخية اعتبرت دائما أو نظر إليها من وجهة نظر لاهوتية. فالروح اللاهوتية هي في بعض المعاني الدم الذي سال شرايين العالم الأوربي حتى عصر "ديكارت" و" بيكون".
والمؤلفات التاريخية المكتوبة خلال هذه الفترة الطويلة تبين إلى أية درجة التأثيرات الدينية استطاعت السيطرة على الفكر الإنساني. ففي فرنسا مثلا، الملك لويس السادس كان يعتقد كثيرا بحماية القديسين، ومقتنعا كما يقول المؤرخون الفرنسيون، أنهم يتدخلون من غير توقف في الأفعال الإنسانية، وهم فقط يستطيعون تأمين الانتصارات في الحروب والانتصارات الدبلوماسية.
وحتى وقت نسبيا حديث، كان الكثير من الفلاسفة يعتقدون أو يتقاسمون هذا الاعتقاد البسيط و الساذج أحيانا. فالمفاهيم اللاهوتية للتاريخ لم تبدأ بالاختفاء إلا في اليوم الذي بدأت في العلوم تتقدم وتؤكد أن جميع الظواهر في الكون خاضعة لقوانين صارمة لا تعرف الأهواء والتقلبات. ولكن مع عملية الابتعاد عن المفاهيم الروائية و اللاهوتية للتاريخ كان من الواجب اكتشاف مفاهيم أخرى من أجل شرح مجرى الأحداث التاريخية. انطلاقا من هذا الواجب الإجباري ولد ما نستطيع أن نسميه المفهوم الفلسفي للتاريخ.
3ـ المفهوم الفلسفي للتاريخ
هذا المفهوم يقول لنا أن الأحداث التاريخية هي تخضع لظروف أو مشروطة بضرورات بعيدة عن الصدفة أو لإرادة عليا إلهية سماوية. و العلم يجهد لتحديد هذه الضرورات، لكن تعقيداتها لا تسمح بأن نأمل أو ننتظر بأن تكون هذه الضرورات دائما يمكن تحديدها.
كل حدث تاريخي هو بالتأكيد عقلاني، ضمن هذا المعنى إنه يمتلك سببا، ولكن هذا لا يعني أن يتطابق أو يتناسب مع مخطط ما. تأثير العوامل أو الدوافع الكبرى، كما كان مثلا في العصر القيصري الذي كان ضروريا للحظات معينة من التاريخ الروماني، خطوة مختلف البلدان في أوربا نحو الوحدة، كل هذا يبين بوضوح وجود العديد من الأسباب العامة. مع ذلك التاريخ هو مليء بالأحداث التي كان من الممكن أن تكون مختلفة جدا عن الطريقة التي حدثت بها، لأنه لا يوجد قانون ثابت أدى لوقوعها أو لضرورة حدوثها بهذه الطريقة أو تلك. فمثلا تاريخ وتطور إنكلترا كان من الممكن أن يتغير لو أن النورمانديين انتصروا في معركة" هاستنكس"، حيث في اللحظات الأخير الدوق "غيوم" تخيل إستراتيجية أدت لنجاحه وحمايته من كارثة ستقود النورمانديين إلى فكرة معاودة الحرب أو الغزو لإنكلترا. لو أن هانيبال الباحث عع الاستيلاء على روما لتحويلها إلى مستعمرة قرطاجية نجح في محاولته، لكان كل مجرى التاريخ القديم قد تغير. (إذا هناك أسباب عامة تؤدي لنتائج محددة).
ثانيا ـ مصادر الخطأ في التاريخ
المؤرخون يعترفون بشكل عام اليوم بضعف قيمة الطرق القديمة في دارسة التاريخ وفلسفته. في كتاب وهو ملخص للعديد من الدروس نشر في جامعة السوربون في باريس، كتب Seingnobos"سينبوس": وبسبب أننا لم نر،فإن الملاحظات التي استخدمت في القديم لسرد التاريخ لا تعكس سوى آراء أصحابها أو كتابها".
لذلك الروح النقدية كان عليها أن تتطور عبر التاريخ قبل أن يكون من غير الممكن إصلاح الأخطاء السابقة ولاسيما تحديد ما هو عام في الحالات الخاصة. ولكن مهما كانت حكمة وبصيرة المؤرخ فمن الصعب بالنسبة له الانسحاب من تحت التأثيرات الناتجة عن قناعاته الدينية و السياسية ولاسيما عن المشاعر التي تربطه بالمكان الذي يعيش فيه. وفي معظم الأحيان سيختار ما يبرر أو يظهر أنه يبرر أفكاره،أهواءه ،معتقداته ، ثم يبعد الأفكار الأخرى.
وحتى لو كانت الأفكار المدونة في الملفات إذا كانت دقيقة وصارمة، فإنها لا تشكل مواد لبناء يمكن تشييده في الحال أو فورا. المعلومات المتعددة حول الأحداث التاريخية الحديثة نسبيا تكون متناقضة في معظم الأحيان، فما بالنا بالأحداث القديمة، حيث يمكن إيجاد مبررات دائمة لأفكارنا التي نطرحها وندافع عنها. في التاريخ ، ليس هناك أسهل من أن تساند رأيا أو أطروحة مخالفا، وهذا أمر تقريبا مستحيل في العلوم لأن أي زعم ليس له قيمة في العلوم إلا إذا كان مبررا بالملاحظة و التجربة.
و الباحثون الشباب اليوم بعد أن يمضوا نهارا طويلا في المكتبات و الأرشيف للبحث عن ملفات قديمة لا يريدون أن يكونوا نسخة عن هذه الملفات، بمعنى لا يريدون إعادة واجترار ما حصل في الماضي كما هو، هنا تتدخل الروح النقدية لتعطي جيلا آخر يقرأ التاريخ بعينين وعقل مختلف تماما عن القدماء. فعقل نقدي يسمح لنا بطرح آراء جديدة ويسمح بتعميق الأبحاث و إعادة تفكيك الشخصيات الماضية، ومحاولة فهم أمجادها إن كانت في الحقيقة صحيحة كما وصلت إلينا.
اليوم نرى بشكل واضح أن قراءة التاريخ وإعادة تعريف فلسفته أصبحت عملا للعلماء والمتخصصين، حيث كانت في الماضي من مهمات العاملين على الأدب في معظم الحالات. فالعلم اليوم وحده الكفيل بإبطال مفعول الأفكار السابقة والخاطئة عن التاريخ. والعلم هو من أعاد تركيب وبناء التطور الفيزيائي و الفكري عند الإنسان، مثلا علم " باليونتولوجي" Paléontologie (وهو علم يبحث بالمستحثات القديمة) و الأنثروبولوجيا استطاعت تبديل التوصيف الأدبي للملفات التاريخية بشكل علمي جديد بحيث لم يعد هذا التاريخ مجموعة من الخطابات الحماسية.
ثالثاـ الروح النقدية في التاريخ
رأينا في الفقرة السابقة أن تفسير الأحداث التاريخية الماضية فيه الكثير من الأخطاء. وحتى نحكم علي التاريخ وأخطائه لا بد في البداية من أبعاد وبشكل كلي التأثيرات القومية والوطنية،الدينية والسياسية والتي تسيطر وتحدد قسما كبير من حكما على التاريخ. فسبب هذه التأثيرات نرى المؤلفات و الكتابات في مختلف البلدان وحول نفس الحدث تحتوي على توصيفات وسرد للحدث بشكل مختلف كليا وغير متشابه.
إن معظم الأحداث التاريخية وقعت بسبب تعاقب لمجموعة من الأسباب غير المرئية. لذلك الطرق القديمة في قراءتها لم تعد تنفع في شيء. فالتاريخ لا يتكلم بل نحن الذين يكتبونه و يدوننه. ومن أكبر الأخطاء ومصادرها في عملية تفسير التاريخ أو الأحداث الماضية، يأتي من أن الكتاب و المؤرخين يبحثون لشرح الأحداث الماضية بأفكار الحاضر، بدلا من قراءتها وفق المشاعر والأهواء التي رافقتها أثناء حدوثها.
المهمة هنا في غاية الصعوبة، فعلينا مثلا فهم روح معتقد أو مؤمن تسيطر عليه قناعاته الدينية، فهم ثائر هائم محلق بأحلامه لثورية..الخ. ومن أجل متابعة طبيعة هؤلاء و الأحداث التي ترافقهم يجب الوصول إلى إعادة تنشيط و إحياء ما يمكن أن نسميه "روح العصر". هذه الروح نفهما ونفككها بأداة عميقة وأساسية هي العقلية النقدية، تلك العقلية التي غيرت الكثير بل معظم المفاهيم عن التاريخ.
رابعاـ وسائل إعادة البناء العلمي للتاريخ
1ـ تحديد الأحداث بواسطة الشهادة.
الشهادة هي مهمة و أساسية ولولا أهميتها لما أعطي لها هذا الدور الكبير في التاريخ والقضاء.حتى وقت متأخر نسبيا (بداية القرن العشرين)، بمعنى حتى الوقت الذي بدأت فيه الأبحاث السيكولوجية المتخصصة تلعب دورها في قراءة التاريخ، قيمة الشهادة لم يعترض عليها نهائيا خاصة إذا افترضناها أنها تأتي من نية صادقة. هذه الشهادة كانت كقاعدة مبنية على تصديق الكلام من الشاهد وفق روايته للأشياء التي رآها.
إذا الراوي أو الشاهد ليس لديه أسباب شخصية يدافع عنها، وليس خاضعا لتأثيرات دينية أو سياسية، فلماذا لا نصدقه ؟ لأي سبب شخص موثوق يروي حدثا كان شاهدا عليه بشكل غير أمين؟
الأبحاث الحديثة لعلم النفس التجريبي قوضت نهائيا هذه الثقة و أنهتها من عملية الشهادة. وبينت الأبحاث هذه أن وفي الأحداث البسيطة، والتي ليس فيها أية أهواء، لا يوجد أية مصلحة تتدخل، ولكن من المستحيل الحصول على معلومات مؤكدة بالتمام والكمال. الطبيب البروفسور "بيرنهايم" لاحظ أنه من الصعب جدا الحصول على وصف أمين لحدث تمت ملاحظته. أيضا الشهادة من قبل مجموعة رأت حدثا معينا ليس بأفضل من ذلك عند علماء النفس.
التجارب الأكثر أهمية حول هذا الموضوع تلك التي قام بها البروفسور "كليباريد" من جامعة جنيف. حيث الأشخاص الذين يخضعون للتجربة ليسوا عاديين بل مجموعة مختارة من الطلاب الأذكياء. الشهادات التي تم الحصول عليها كانت مؤلمة. من بين الأسئلة المطروحة على الطلاب، واحدة منها على الأقل كانت مذهلة :
هل يوجد نافذة داخلية تؤدي إلى مدخل أو من جهة مدخل الجامعة، على اليسار و نحن داخلون حيث نصبح في مواجهة غرفة موظف الاستقبال؟
حول فلسفة التاريخ:
تناول الملتقى الثقافي الأسبوعي موضوعا جافا نوعا ما حول تفرعات فلسفة التاريخ،وهو علم حديث بدايته كانت في القرن الثامن عشر،ويتناول البحث في قوانين وأسس الحوادث التاريخية والربط بينها وفق مناهج وأسس علمية رصينة،تخرج التاريخ من صفة العلم السردي إلى علم كامل تنطبق عليه نظريات وقوانين العلوم التجريبية الأخرى،وان كانت نظرة بعض المؤرخين أنها لا تنطبق عليها تلك القوانين باعتبار التاريخ علما يختلفا جذريا عن العلوم الطبيعية والتي يمكن التأكد من نتائج البحوث فيها بينما في التاريخ تختلف كليا عن ذلك وقد تخضع الكثير من الحوادث إلى الصدفة المحضة والتي لا ترتبط بقانون ما،عموما هو رأي يمكن قبوله أو رفضه وبدرجات نسبية….
وكبقية العلوم الأخرى تطور علم فلسفة التاريخ حتى تفرع وبالتالي اخذ صفة التعقيد في نظري،رغم أنها من نتائج وضرورات البحث العلمي المجرد،ولكن تبقى للقارئ العادي هي مسائل تعقيد لدراسة الحوادث التاريخية،عموما التقسيم يكون الى فرعين:
1-الفلسفة النقدية للتاريخ:
وهي الطرق والأساليب المستخدمة في دراسة المنهج التاريخي وفق نظريات محددة سلفا،وهي تعني استخدام كافة الوسائل العلمية لدراسة الوقائع التاريخية وبصورة منهجية تختلف عن طرق السرد المجردة وهي التي اعتاد عليها مؤرخي العصور القديمة والوسطى ومن ضمنها العصور الاسلامية المختلفة…
2-الفلسفة التأملية للتاريخ:
هي دراسة الاحداث التاريخية والاسباب المؤدية الى حدوثها ومحاولة استنباط القواعد والقوانين بغية استخدامها لغرض استكشاف المستقبل وتفسير الوقائع التي سوف تحدث وفق تلك القوانين….
في رأيي الشخصي ان التاريخ هو علم حقيقي متكامل ولكن يخضع لاهواء المؤرخين التي نادرا ما تكون موضوعية،والتاريخ هو اكثر العلوم خضوعا للتزوير والتدليس والتشويه،والنماذج التاريخية كثيرة بحيث يعجز الفرد عن احصائها ناهيك عن تنقيحها بغية طرحها في اسلوب موضوعي متكامل لايخضع للاهواء،ثم بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية في طرحها لاصحاب الفكر ثم عامة الناس،وبالتأكيد تبدأ مراحل الخلاف والتي تصل احيانا الى التكفير والتخوين والتفسيق،او يشاد له بالبنان الذي قد يتأخر احيانا!.
وتأثير النظم السياسية كبيرا عليه بحيث يعجز المؤرخ المحايد من العمل بمفرده،وحتى لو عمل فأن اخراج عمله عن طريق الطرح الاعلامي له بمختلف الوسائل المتاحة صعبا ما عدا المرحلة الراهنة والتي سهلت التكنولوجيا الحديثة اساليب كسر قواعد الحجر والمراقبة الفكرية…
لكن المهمة الاصعب هو كيفية كسر بمعاول العلم الذي يلتزم الموضوعية منهجا ثابتا، في ما توارثت عليه الاجيال من خرافات واساطير لوقائع تاريخية احيانا
ادعولي بالنجاح بلال حجاج دائما في الخدمــــــــــــــــة
perlou03- عضو جديد
- عدد المساهمات : 7
نقاط : 47519
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/11/2011
العمر : 39
الموقع : hhhhhhhhhhhhhhhhhhhhh
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى